الرسول صلى الله عليه وسلم لم تحن إليه قلوبُ المؤمنين فقط، بل حنَّت إليه
الجمادات، وحنين الجذع إليه مشهورٌ متواترٌ وقد أفرد له القاضي عياض فصلاً
هو الفصل السابع عشر في كتابه (الشفا). فقال:
روى البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - :أن امرأة من الأنصار
، قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا
تقعد عليه ، فإن لي غلاما نجارا . قال : ( إن شئت ) . قال : فعملت له
المنبر ، فلما كان يوم الجمعة ، قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر
الذي صنع ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها ، حتى كادت تنشق ، فنزل
النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي
الذي يسكت ، حتى استقرت ، قال : ( بكت على ما كانت تسمع من الذكر ) .
الراوي: جابر بن عبدالله - خلاصة الدرجة: [صحيح] - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2095
وكان الحسنُ البصريُّ - رحمه الله تعالى - إذا حدّث بحديثِ حنين الجِذْع،
يقولُ :' يا معشرَ المُسلمين ، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- شوقاً إلى لقائه فأنتم أحقُّ أن تشتاقوا إليه ' . من فتح
الباري 6/697.
وقال ابن كثير –رحمه الله- في البداية والنهاية '(3/219) : '... وما أحسنَ
ما قال الحسنُ البصريُّ - : يا معشر المسلمين ، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول
الله شوقاً إليه ، أو ليس الرجال الذين يرجون لقاءَه أحقُّ أن يشتاقوا
إليه .'
وكيفما كان، فحديثُ الجذع مشهورٌ ومنتشرٌ، والخبر فيه متواتر، أخرجه أهل
الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر رجلاً، وحنينه إلى الرسول -صلى الله
عليه وسلم- معجزة من معجزاته الكثيرة.
قال البيهقيُّ: 'قصة حنين الجذع، من الأمور الظاهرة التي حملها الخلفُ عن
السلف، وفيها دليلٌ على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكاً كأشرف
الحيوان'.
وقال الإمام الشافعيُّ -رحمه الله-: 'ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً ،
فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال: أعطى محمداً حنين الجذع حتى
سُمِعَ صوتُه، فهذا أكبر من ذلك'.(1)
فهذه مكانةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – في قُلوب المؤمنين عُموماً،
وإن أصدق تعبير عن تلك المحبة وهذه المكانة ما قاله أنس بن مالك - رضي
الله عنه -يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: 'حينما تُوفي رسول الله -صلى
الله عليه و سلم- كنا نقول : يا رسولَ الله إنَّ جذعاً كنتَ تخطب عليه
فترَكتَه فَحَنَّ إليك، كيف حين تركتنا لا تحنُّ القلوب إليك ؟
اللهم أمِدَّنا بحَولِكَ وقوتك فأنت وحدك المستعان ، وتقبَّل منا عملنا
هذا بقَبول حسن، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنك أنت السميع المجيب
حن جذع إليه وهو جماد ...... فعجيب أن تجمد الأحياء
وألقى حتى فى الجمادات حبه ...... فكانت لإهداء السلام له تهدى
وفارق جذعا كان يخطب عنده ...... فأن أنين الأم إذ تجد الفقدا
يحن إليه الجذع ياقوم هكذا ...... أما نحن أولى أن نحن له وجدا
إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ...... فليس وفاءا أن نطيق له بعدا